الأحد، 21 سبتمبر 2014

حادي الارواح (الباب السادس: في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم)



 بسم الله الرحمن الرحيم 

الباب السادس: في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم

ص -42-   الباب السادس في جواب من زعم أنها جنة الخلد عما احتج به منازعوهم
قالوا: أما قولكم: إن الله سبحانه أخبر أن جنة الخلد إنما يقع الدخول إليها يوم القيامة ولم يأت زمن دخولها بعد فهذا حق في الدخول المطلق الذي هو دخول استقرار ودوام وأما الدخول العارض فيقع قبل يوم القيامة.
وقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم الجنة ليلة الإسراء وأرواح المؤمنين والشهداء في البرزخ في الجنة وهذا غير الدخول الذي اخبر الله به في يوم القيامة فدخول الخلود إنما يكون يوم القيامة فمن أين لكم أن مطلق الدخول لا يكون في الدنيا وبهذا خرج الجواب عن استدلالكم بكونها دار المقامة ودار الخلد؟
قالوا وأما احتجاجكم بسائر الوجوه التي ذكرتموها في الجنة وأنها لم توجد في جنة آدم عليه السلام من العري والنصب والحزن واللغو والكذب وغيرها فهذا كله حق لا ننكره نحن ولا أحد من أهل الإسلام.
ولكن هذا إذا دخلها المؤمنون يوم القيامة كما يدل عليه سياق الآيات كلها فإن نفي ذلك مقرون بدخول المؤمنين إياها وهذا لا ينفي أن يكون فيها بين أبوي الثقلين ما حكاه الله سبحانه وتعالى من ذلك ثم يصير الأمر عند دخول المؤمنين إياها إلى ما أخبر الله عنها فلا تنافي بين الأمرين.
وأما قولكم: إنها دار جزاء وثواب لا دار تكليف وقد كلف الله سبحانه آدم بالنهي عن الأكل من تلك الشجرة فدل على أن تلك الجنة دار تكليف لا دار خلود فجوابه من وجهين:
أحدهما: أنه إنما تمتنع أن تكون دار تكليف إذا دخلها المؤمنين يوم القيامة فحينئذ ينقطع التكليف وأما وقوع التكليف فيها دار الدنيا فلا دليل



ص -43-   على امتناعه البتة كيف وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" دخلت البارحة الجنة فرأيت امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن أنت" الحديث.
وغير ممتنع أن يكون فيها من يعمل بأمر الله ويعبد الله قبل يوم القيامة بل هذا هو الواقع فإن من فيها الآن مؤتمرون بأوامر من قبل ربهم لا يتعدونها سواء سمى ذلك تكليفا أو لم يسم.
الوجه الثاني: أن التكليف فيهالم يكن بالأعمال التي يكلف بها الناس في الدنيا من الصيام والصلاة والجهاد ونحوها وإنما كان حجرا عليهما في شجرة واحدة من جملة أشجارها إما واحدة بالعين أو بالنوع وهذا القدر لا يمتنع وقوعه في دار الخلد كما أن كل واحد محجور عليه أن يقرب أهل غيره فيها فإن أردتم بكونها ليست دار تكليف امتناع وقوع مثل هذا فيها في وقت من الأوقات فلا دليل عليه وإن أردتم أن تكاليف الدنيا منتفية عنها فهو حق ولكن لا يدل على مطلوبكم.
وأما استدلالكم بنوم آدم فيها والجنة لا ينام أهلها فهذا أن ثبت النقل بنوم آدم فإنما ينفي النوم عن أهلها يوم دخول الخلود حيث لا يموتون وأما قبل ذلك فلا.
وأما استدلالكم بقصة وسوسة إبليس له بعد إهباطه وإخراجه من السماء فلعمر الله إنه لمن أقوى الأدلة وأظهرها على صحة قولكم وتلك التعسفات لدخوله الجنة وصعوده إلى السماء بعد إهباط الله له منها لا يرتضيها منصف ولكن لا يمتنع أن يصعد إلى هنالك صعودا عارضا لتمام الابتلاء والامتحان الذي قدره الله تعالى وقدر أسبابه وإن لم يكن ذلك المكان مقعدا له مستقرا كما كان وقد أخبر الله سبحانه عن الشياطين أنهم كانوا قبل مبعث رسول الله صلىالله عليه وسلم يقعدون من السماء مقاعد للسمع فيستمعون الشيء من الوحي وهذا صعود إلى هناك ولكنه صعود عارض لا يستقرون في المكان الذي يصعدون إليه مع قوله تعالى{اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوّ} فلا تنافي بين هذا الصعود وبين الأمر بالهبوط فهذا محتمل والله أعلم 
وأما استدلالكم بأن الله سبحانه أعْلَمَ آدم عليه السلام مقدار أجله وما ذكرتم من الحديث وتقرير الدلالة منه



ص -44-   فجوابه أن إعلامه بذلك لا ينافي إدخاله جنة الخلد وإسكانه فيها مدة وأما إخباره سبحانه إن داخلها لا يموت وإنه لا يخرج منها فهذا يوم القيامة
وأما احتجاجكم بكونه خلق من الأرض فلا ريب في ذلك ولكن من أين لكم أنه كمل خلقه فيها وقد جاء في بعض الآثار أن الله سبحانه ألقاه على باب الجنة أربعين صباحا فجعل إبليس يطوف به ويقول لأمر ما خلقت فلما رآه أجوف علم أنه خلق لا يتمالك فقال لئن سلطت عليه لأهلكنه ولئن سلط علي لا عصينه مع أن قوله سبحانه {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} يدل على أنه كان معهم في السماء حيث أنبأهم بتلك الأسماء وإلا فهم لم ينزلوا كلهم إلى الأرض حتى سمعوا منه ذلك ولو كان خلقه قد كمل في الأرض لم يمتنع أن يصعده سبحانه الى السماء لأمر دبره وقدره ثم يعيده إلى الأرض فقد أصعد المسيح إلى السماء ثم ينزله إلى الأرض قبل يوم القيامة وقد أسرى ببدن رسول الله وروحه إلى فوق السموات فهذا جواب القائلين بأنها جنة الخلد لمنازعيهم والله أعلم.

الباب القدم

الباب السابع: في ذكر شبه من زعم أن الجنة لم تخلق بعد

وفي الاخير لا تنسونا من صالح دعائكم

ليست هناك تعليقات: