الخميس، 19 يناير 2012

ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب

أروع كلام لسيدي عبد الرحمن المجدوب- Sidi Abderrahmane El Mejdou -1 mp3

رباعيات عبد الرحمن المجدوب


رباعيات عبد الرحمن المجدوب

رباعيات
عبد الرحمن المجذوب


اُصبر على ما جرَى لَك
يا صَاحب كُن صَبّار
حَتّى يَطلع نهَارك اُرقد علَى الشُوك عريان


لا تَرْفَدْ الهَمْ دِيمَة
لا تْخَمّمْ لا تْدَبَّر
و لا الدُّنْيَا مْقِيمَة
الفَلك ما هُو مْسَمّر


يَازَارَعْ الشَّرّْ يَاسَرْ
يَازَارَعْ الخيْر حبّة
و مولى الشر خاسر
مولى الخير ينبا


شف عند الله ماوسعها
لا تخمم في ضيق الحال
أما الرجال لا تقطعها
الشدة تهزم الأرذال

ماشينك بطبيعة
من يامنك يا كحل الراس
و القلب فيه الخديعة
السن يضحك للسن

و كبير القوم طيعه
سافر تعرف الناس
بنص فلس بيعه
كبير الكرش و الراس

و تعاونوا على شريب القهاوي
طاقوا على الدين تركوه
و الجبح من تحت خاوي
الثوب من فوق نقوه


و اعقد عقدة صحيحة
لا تسرج حتى تلجم
لا تعود لك فضيحة
لا تتكلم ختى تخمم

و الكلام يفسد المسالة
الصمت الذهب المسجر
و إذا سالوك قول لا لا
إذا شفت لا تخبر


في البير ارم عظامه
نوصيك يا واكل الراس
فمك متن له لجامه
أضحك و ألعب مع الناس


يا كاسرني من ذراعي
يا ذا الزمان يا الغدار
و ركبت من كان راعي
طيحت من كان سلطان

الوجه تضويه الحسانة
الشاشية تطبع الراس
العريان نوضوه من الجماعه
المكسي يقعد مع الناس

غير من جبده لراسه
الشر ما يظلم حد
و في الصيف يغلبه نعاسه
في الشتاء يقول البرد


عيط و كن فاهم
يا الي تعيط قدام الباب
غير النساء و الدراهم
ما يفسد بين الاحباب

في الواد داير ظلايل
لا يعجبك نوار دفلى
حتى تشوف الفعايل
لا يعجبك زين طفلة


يعلى يرجع لساسه
حيط الرمل لا تعليه
يكبر و يرجع لناسه
ابن الغير لا تربيه

و البل هي الشريفة
الخيل هبة من الريح
و الحمار هو العيفة
البغال قرصة من الهند


طرز الذهب في لجامه
ألي يركب يركب أشهب
يدير هراوة في حزامه
ألي يدور يقول كلمة الحق

و قعدت مثل الرصاص نذوب
أنا الي رقيت في رقوب
يجي على راسه مكبوب
من لا يقرأ للزمان عقوبة


تتكركب مع جميع الدلاع
الدنيا مثلتها دلاعة
و الجايح غدا معها قاع
الحاذق يعطي معها ساعة


و بالزيت تدهني جلوده
جحش البغل لا تغنجيه
هذيك عادة جدوده
الصك و العض فيه


و من كيدهم ياحزوني
كيد النساء كيدين
و تقول الحداء ياكلوني
راكبة على ظهر السبع

و لعب خزها فوق ماها
تخلطت و لابات تصفى
هما سبب خلاها
رياس على غير مرتبة

و من خالط الارذال زاد عناه
من خالط الاجواد جاد بجودهم
و من جاور صابون جاب نقاه
و من جاور برمة انطلى بحمومها

و لو كان من بعيد تجيها
الكاتبة تنادي و معها الخير
رزقك من قبل ما هو فيها
و الخاطي عليك من يديك يطير

ما كان كالأم حبيب
ما كان كالحرث تجارة
ما كان كالدين طليب
ما كان كالشر خسارة


و لا في الشتاء ريح دافي
لا في الجبل واد معلوم
و لا في النساء عهد وافي
لا في العدو قلب مرحوم

و الفاهم يفهم لغات الطير
الزيت يخرج من الزيتونة
يجحرها في ضميره خير
ألي ما تخرج كلمته ميزونة

الجمعة، 6 يناير 2012

الطريق إلى الله

الطريق إلى الله 
http://www.ghrib.net/vb/showthread.php?t=5148

المقامات الصوفية






http://www.youtube.com/watch?v=pvv5Anr5cp8









































ملخص الخطبة

1- منزلة الصابر عند الله. 2- وسائل تحصيل الصبر. 3- ما يقوله المصاب. 4- المصيبة الأعظم وفاة النبي . 5- المصائب مقدرة ومكتوبة ، ولعل ذنوبنا هي سبب بعضها. 6- فوائد الصبر على البلاء. 7- أمور تعين الإنسان على الصبر. 8- أقسام الصبر.


الخطبة الأولى


أما بعد:

فاتقوا الله تعالى أيها الناس، روى أبو سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري رضي الله عنهما أنه في يوم من الأيام في المدينة، جاء ناس من الأنصار إلى النبي يسألونه المال فأعطاهم عليه السلام، ثم سألوه فأعطاهم، ومازال يعطيهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيء بيده: ((ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبَّر يتصبّره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ من الصبر)). هذا الحديث متفق عليه[1]، نعم إخوة الإيمان إنه الصبر، هذا مقام الأنبياء والمرسلين، ومنازل المتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهو أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصيبة، ولو يعلم المصابون ما ينالون من الأجر الكبير إن هم صبروا، لتمنوا أن مصيبتهم أشد بلاء، وأعظم نكاء. واعلموا يا عباد الله أن الصبر من الدين بمنزلة الرأس من الجسد، فلا إيمان لمن لا صبر له، ومن يتصبر يصبره الله، والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور، والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً [الفرقان:75]، وقال تعالى عن أهل الجنة: سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ [الرعد:24]، هذا هو الصبر، وتلك منزلته، وما أجمل إخوة الإيمان أن نعلم هذه المنزلة، وأن نقدرها حق قدرها، وأن نصبّر أنفسنا ومن حولنا عندما تقع المصيبة، وما أسرع الجزع والسخط إلى نفوسنا عندما تقع المصائب علينا، أو على من حولنا، بل إننا أصبحنا عوناً للإنسان على أن يتسخط وأن لا يرضى بقضاء الله، في بكاؤنا وطريقة عزائنا، وما أجمل الصبر وما أروعه، عندما يكون عند الصدمة الأولى، فذلك هو الاختيار الحقيقي، والمحك الرئيسي، لصدق العبد في صبره، واحتسابه مصيبته عند الله.

إخوة الإيمان إن للصبر وسائل يجب أن نعوّد أنفسنا عليها وأول هذه الوسائل للصبر على المصيبة: التأمل، والتدبر، والنظر في كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه ، ففيها ما تقرّ به الأعين، وتسكن به القلوب، وتطمئن إليه النفوس، ولو قارن المصاب بين ما أخذ منه وما أعطي فلا مقارنة فإنه سيجد أن ما أعطي من الأجر، والثواب، أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، وقِفُوا مع آية عظيمة في كتاب الله كفى بها واعظة ومسلية، عند وقوع المصائب: وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ ٱلْخَوفْ وَٱلْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ ٱلاْمَوَالِ وَٱلاْنفُسِ وَٱلثَّمَرٰتِ وَبَشّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا أَصَـٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رٰجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوٰتٌ مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، (إنا لله وإنا إليه راجعون) علاج ناجع من الله عز وجل لكل من أصيب بمصيبة دقيقة أو جليلة ومصير العبد ومرجعه إلى الله مولاه الحق، لابد أن يخلف في الدنيا يوما ما وراء ظهره، ويأتي ربه فردا كما خلقه أول مرة بلا أهل ولا عشيرة ولا حول ولا قوة ولكن بالحسنات والسيئات، فهل يا ترى يعلم هذا المصاب بمصيبة ما روى مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (سمعت رسول الله يقول: ((ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبة وأخلفه خيرا منها))، قالت: ولما توفي أبو سلمة؛ قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله ثم عزم الله علي فقلتها – فما الخلف؟ - قالت: فتزوجت رسول الله )[2]. وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي قال: ((ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه ))[3].

والثاني من الوسائل المعينة على الصبر: تذكر المصيبة العظيمة بموت الرسول وكل مصيبة دون مصيبتنا بموته تهون، فبموته عليه الصلاة والسلام انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وبموته انقطعت النبوّات، وبموته ظهر الفساد في البر والبحر، وتذكر ذلك تسلية وعزاء للمصائب يقول في الحديث الصحيح: ((إذا أصيب أحدكم بمصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصائب))[4]، ويقول فيما صح عنه في سنن ابن ماجه: ((يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي))[5]، نعم إن تذكر النبي وما حل بنا بفقده هو أعظم مصيبة..

فاصبـر لكـل مصيبـة وتجـلـدِ واعلـم بـأن المرء غير مخلد

واصبر كما صبــر الكرام فإنهـا نوبُ اليـوم تُكشَف فـي غدِ

مـن لم يصب ممـن ترى بمصيبة؟ هذا سبيل لستَ عنه بأوحـد

فإذا ذكـرت مصيبـة ومصـابهـا فاذكـر مصابـك بالنبي محمـد

ومن الوسائل للصبر: أن يعلم المصاب علم اليقين أنّ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ فِى أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ لّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَا ءاتَـٰكُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ [الحديد:22، 23].

فيا أيها المصاب، المصيبة واقعة، فوطن نفسك على أن كل مصيبة تأتي إنما هي بإذن الله عز وجل وقضائه وقدره فإن الأمر له، فإنه كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك أو يضروك فلن يحصل ذلك إلا بشيء قد كتبه الله لك أو عليك.

إخوة الإيمان، ومن الوسائل المعينة على الصبر: الاستعانة بالله، والاتكال عليه، والرضا بقضائه، روى الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك قال: ألا أحدثكم بحديث لا يحدثكم به أحد غيري؟ قالوا: بلى، قال: كنا عند النبي جلوسا فضحك، ثم قال: أتدرون مما ضحكت؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال عليه الصلاة والسلام: ((عجبت للمؤمن أن الله عز وجل لا يقضي عليه قضاء إلا كان خيرا له))[6]، فليعلم من أصيب بمصيبة أن حظّه من المصيبة ما يحدث له من رضا فمن رضي فله الرضا، ومن تسخط فله السخط.

وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: ((ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى؛ قال: هذه المرأة السوداء، أتت النبي فقالت: إني أصرع وإني أتكشّف، فادع الله تعالى لي؟ قال: إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك، فقالت :بل أصبر، فقالت: إني أتكشّف فادع الله أن لا أتكَّشف فدعا لها)) متفق عليه[7]. وعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله : ((عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) رواه مسلم[8].

والوسيلة الخامسة مما يعين على الصبر: العلم بأن الجزع من المصيبة لا يردها بل يضاعفها، فهو إذا جزع فجزعه مصيبة ويغضب ربه، ويحبط أجره، حدّث أنس أن النبي مر بامرأة تبكي عند قبر، فقال: ((اتقي الله واصبري))، فقالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتيَ، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي فأتت باب النبي فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك وسوف اصبر يا نبي الله فقال لها: ((إنما الصبر عند الصدمة الأولى)) متفق عليه[9].

ومن الوسائل المعينة على الصبر: العلم بأن النعم زائرة وأنها لا محالة زائلة، وأنها لا تفرح بإقبالها فرحا حتى تُتْعِبَ بفراقها ترحًا، وما فرح به اليوم حزن عليه غدا، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا.

ومما يعين على الصبر: العلم بتفاوت المصائب في الدنيا، ومن حصل له الأدنى من المصائب يتسلى بالأعلى والأعظم من المصائب التي أصيب بها غيره، من فقد للدين وإهمال وتقصير فيه، فهذا أعظم المصيبة، ويجب أن تعلم أيها المصاب أن هذا هو حال الدنيا إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما أحزنت شهورا، وإن متعت يسيرا قنعت طويلا.

ومما يعين على الصبر كذلك، أن يتذكر المصاب ما في مصابه من فوائد ولطائف منجية له، فربما كان على ذنب عظيم أوجب سخط الله فَرَقّ قلبه بعد مصابه وتاب وأناب إلى الله، ورجع إلى نفسه فعالج تقصيرها في ذات الله، وربما لم يتحقق له ذلك إلا بوقوعه في المصيبة، نسأل الله لنا ولكم العافية، وكم رأينا من شواهد الواقع ما يؤيده.

ومن الوسائل المعينة على الصبر، حسن التعزية للمصاب، فإن الكلمة الطيبة للمصاب يثبت بها بإذن الله ويعان، ويعود الصبر عليه سهلا يسيرا، والمؤمن قليل بنفسه كثير بإخوانه، فإذا وجد هذا يعزيه، وهذا يسليه، سهلت عليه الأمور العظام، وكشف ما به من مصيبة، وفي الحديث الحسن أن النبي قال: ((ما من مؤمن يعزي أخاه بما به إلا كساه الله من حلل الكرامة يوم القيامة)) [10]، ولابد من أن تكون التعزية في محلها مناسبة، فإن من الناس من إذا عزى ذكر باللوعة والمصيبة، من وفاة أو مرض ونحوهما، وما أروع الهدي النبوي والأدعية النبوية الكريمة في العزاء للمصيبة، أما كثرة الأسئلة عن المصيبة فمما يؤجج الأحزان ويؤدي إلى الشكوى إلى الخلق، وهم عاجزون عن تقديم الشفاء، فعليك أيها المصاب بكثرة الأدعية واللجوء إلى الله تعالى في كل حالك.

فإذا ابتليت بمحنة فاصبر لها صـبر الكـريم فإن ذلـك أسـلم

وإذا ابتليت بكربة فالبس لها ثوب السـكوت فإن ذلك أسـلم

لا تشكونّ إلى العبـاد فإنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحـم

أخي يا من أصابته المصيبة هذه آيات الله وأحاديث نبيك تحثك على الصبر، وتسليك في مصابك، فاحمد الله، وأحسن نيتك، واحتسب مصيبتك وارض بما قدر الله لك، فلعل لك عند الله منزلة لا تبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليك بحكمته بما تكره ويصبرك على ما يبتليك به حتى تبلغ تلك المنزلة العالية من الله، فاحمد الله وكن من الصابرين؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَبَشّرِ ٱلْمُخْبِتِينَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَٱلصَّـٰبِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَٱلْمُقِيمِى ٱلصَّلَوٰةِ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ [الحج 34-35].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم …





--------------------------------------------------------------------------------

[1] صحيح البخاري (1469)، صحيح مسلم (1053).

[2] صحيح مسلم (918).

[3] صحيح البخاري (5641)، صحيح مسلم (2572 ـ 2573).

[4] صحيح أخرجه الدارمي في سننه (1/53).

[5] سنن ابن ماجه (1599).

[6] مسند أحمد (3/184)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (148).

[7] صحيح البخاري (5652)، صحيح مسلم (2576).

[8] صحيح مسلم (2999).

[9] صحيح البخاري (1283)، صحيح مسلم (926).

[10] أخرجه ابن ماجه (1601) وفي إسناده: قيس أبو عمارة مولى الأنصار. قال البخاري: فيه نظر. انظر مصباح الزجاجة، والسلسلة الضعيفة للألباني (610).




الخطبة الثانية


الحمد لله الذي وعد الصابرين أجرهم بغير حساب، وأثاب الشاكرين على النعم بدوامها والازدياد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له من غير شك ولا ارتياب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، سيد الرسل، وخلاصة العباد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم المآب وسلم تسليما.

أما بعد، فاتقوا الله تعالى أيها الناس واعلموا أن للصبر أقساما ذكرها العلماء، وهي ثلاثة: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله، التي يجريها إما مما لا قدرة للعباد فيه، وإما مما يجريه الله على أيدي بعض العباد من الإيذاء، والاعتداء. والصبر على طاعة الله أن يحبس الإنسان نفسه على العبادة، ويؤدّبها كما أمره الله تعالى وأن لا يتضجر منها، أو يتهاون بها، أو يدعها، فإن ذلك عنوان هلاكه وشقائه، ومتى علم العبد ثواب الله على هذه الطاعة، هان عليه أداؤها وفعلها، فالحسنة ولله الحمد إذا أخلص الإنسان فيها لله واتبع رسوله، كانت بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والله يُضاعِف لمن يشاء، أما الصبر عن معصية الله فأن يحبس الإنسان نفسه عن الوقوع فيما حرم الله عليه، مما يتعلق بحق الله أو حقوق عباده، ومتى علم العبد ما ينتظر العاصي من العقاب الدنيوي والأخروي، وأن ذلك مما يضر بدينه، ويضر بعاقبة أمره، فإن الذنوب عقوباتها قد تعم، ويبعث الناس على أعمالهم فمتى ما علم الفاعل ما يلقى من جزاء الذنوب، وجب عليه أن يدعها خوفا من علام الغيوب، وأما الصبر على أقدار الله فمعناه أن يستسلم الإنسان لما يقع عليه من البلاء والهموم والأمراض والأسقام، وإذا وقعت به مصيبة فلا يقابلها بالتسخط والتضجر، وأن يعلم أن هذا البلاء لنزوله أسباب وحكم، لا يعلمها إلا الله، وأن يعلم أن لدفعه ورفعه أسبابا، من أعظمها لجوؤه ودعاؤه وتضرعه إلى مولاه، فهذه الأمراض التي أرسلها الله تعالى على عباده، إنما هي رحمة بهم ليرجعوا إليه، وليعرفوا أنه هو المتصرف بعباده كما يشاء، يقول تعالى: وَمَا أَصَـٰبَكُمْ مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ [الشورى:30]. هذه أقسـام الصـبر، ـ إخوة الإيمان ـ فمن حقق مقام الصبر ومقام الشكر، كمل بذلك إيمانه ونجا، ولذلك قال النبي : ((عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له)) [1].



--------------------------------------------------------------------------------

[1] تقدم تخريجه قريبًا


رد مع اقتباس
02-11-2007 04:00 AM#2
الغيث جاء عضو مسجلتاريخ التسجيلApr 2005المشاركات186


حال الإنسان عند حلول المصيبة






الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإن العبد في هذه الدنيا معرض لصنوف من البلاء، والاختبار، وما ذلك إلا ليعلم الله ـ تعالى ـ من العبد صبره ورضاه؛ وحسن قبوله لحكم الله وأمره، قال الله تعالى:{ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً }(1).
والإنسان عندما يصاب بمصيبة، فإن له أحوالاً في تقبل تلك المصيبة، إما بالعجز والجزع، وإما بالصبر وحبس النفس عن الجزع، وإما بالرضا، وإما بالشكر.
قال ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ والمصائب التي تحل بالعبد، وليس له حيلة في دفعها، كموت من يعزُّ عليه، وسرقة ماله، ومرضه، ونحو ذلك، فإن للعبد فيها أربع مقامات:
أحدها: مقام العجز، وهو مقام الجزع والشكوى والسخط، وهذا ما لا يفعله إلا أقل الناس عقلاً وديناً ومروءة.
المقام الثاني: مقام الصبر إما لله، وإما للمروءة الإنسانية.
المقام الثالث: مقام الرضى وهو أعلى من مقام الصبر، وفي وجوبه نزاع، والصبر متفق على وجوبه.
المقام الرابع: مقام الشكر، وهو أعلى من مقام الرضى؛ فإنه يشهدُ البليةَ نعمة، فيشكر المُبْتَلي عليها)(2).

وقد علق على هذه المقامات الأربع الشيخ محمد بن عثيمين(3) ـ رحمه الله تعالى ـ فقال: للإنسان عند حلول المصيبة له أربع حالات:
الحال الأول: أن يتسخط.
الحال الثاني: أن يصبر.
الحال الثالث: أن يرضى.
الحال الرابع : أن يشكر.

هذه أربع حالات للإنسان عندما يصاب بالمصيبة:

أما الحال الأول: أن يتسخط إما بقلبه أو بلسانه أو بجوارحه.
ـ فتسخط القلب أن يكون في قلبه شيء على ربه عز وجل من السُّخط والشره على الله ـ تعالى ـ والعياذ بالله وما أشبهه، ويشعر وكأن الله قد ظلمه بهذه المصيبة.

ـ وأما باللسان فأن يدعو بالويل والثبور، يا ويلاه! يا ثبوراه! وأن يسب الدهر فيؤذي الله عز وجل وما أشبهه.
ـ وأما التسخط بالجوارح مثل: أن يلطم خده، أو يصفع رأسه، أو ينتف شعره، أو يشق ثوبه، وما أشبهه ذلك.

هذا حال السخط حال الهلعين الذين حرموا من الثواب، ولم ينجوا من المصيبة بل الذين اكتسبوا الإثم؛ فصار عندهم مصيبتان: مصيبة في الدين بالسخط، ومصيبة في الدنيا لما أتاهم ممَّا يؤلمهم.
أما الحال الثانية: فالصبر على المصيبة بأن يحبس نفسه؛ هو يكره المصيبة ولا يحبها، ولا يحب إن وقعت، لكن يصبّر نفسه؛ لا يتحدث باللسان بما يسخط الله، ولا يفعل بجوارحه ما يغضب الله تعالى، ولا يكون في قلبه على الله شيءٌ أبداً؛ صابر لكنه كاره لها.
والحال الثالثة: الرِّضى بأن يكون الإنسان منشرحاً صدره بهذه المصيبة ويرضى بها رضاءً تاماً، وكأنه لم يصب بها.
والحال الرابعة: الشُكر فيشكر الله ـ تعالى ـ عليها، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يكره قال:"الحمد لله على كل حال"(4).
فيشكر الله من أجل أن يُرتب له من الثواب على هذه المصيبة أكثر مما أصابه.

مسألة: ما ينبغي لمن بلغته المصيبة أن يفعل.

ينبغي لمن بلغته مصيبة، أيَّاً كانت هذه المصيبة أمور:
أ- الصبر؛ فيسن الصبر على المصيبة، ويجب منه ما يمنعه عن المحرم(5).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية(728هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ والصبر واجب باتفاق العلماء)(6).
قال ابن القيم (ت751هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ والصبر واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر)(7).

والصبر هو: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش(8).

قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (9).
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال:"اتقي الله واصبري" قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه! فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، فقال:"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(10).
قال الحافظ ابن حجر (ت852هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ عند قوله صلى الله عليه وسلم :"إنّما الصبر عند الصّدمَة الأولى" المعنى إذا وقع الثبات أول شيء يهجم على القلب من مقتضيات الجزع فذلك هو الصبر الكامل الذي يترتَب عليه الأَجر؛ قال الخطابي: المعنى أن الصبر الذي يحمد عليه صاحبه ما كان عند مفاجأَة المصيبة, بخلاف ما بعد ذلك فإنه مع الأيام يسلو؛ وحكى الخطابي عن غيره أن المرء لا يُؤجر على المصيبة لأنّها ليست من صنعه, وإنَما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره؛ وقال ابن بطّال: أراد أن لا يجتمع عليها مصيبة الهلاك وفقد الأَجر)(11).

قال الإمام الموفق ابن قدامة (ت620هـ) ـ رحمه الله تعالى ـوينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى، ويتعزى بعزائه، ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة، ويَتَنَجَّز ما وعد الله الصابرين، قال الله عز وجل: { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ{156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، ويسترجع)(12).

ب- الرضا بالقضاء والقدر والتسليم التام لله عز وجل، وهذه الصفة هي من أعظم صفات المؤمن المتوكل على الله، المصدق بموعود الله، الراضي بحكم الله، وبما قضاه الله ـ تعالى ـ وقدره، بل الإيمان بالقضاء والقدر ركن من أركان الإيمان، الواردة في حديث أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه الطويل وفيه" قال: فأخبرني عن الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم : أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"(13).

ج- قول ( إنا لله وإنا إليه راجعون)
وذلك لما جاء في قوله تعالى:{ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} (14).

وله أن يزيد "اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها"، لما جاء من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبدٍ تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها, إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قالت: فلما توفي أبو سلمة رضي الله عنه قلت: ومن خيرٌ من أبي سلمة؟ صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم عزم الله علي فقلتها، فما الخلف؟! قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن خير من رسول الله صلى الله عليه وسلم (15).

د- أن تعلم أن الدنيا دار ابتلاء وامتحان؛ لذا فهي مليئة بالمصائب، والأكدار، والأحزان، كما قال ربنا الرحمن:{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} ، وقال عز وجل: { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}(16).

هـ- تذكر أن العبد وأهله وماله لله عز وجل فله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، قال لبيد:

وما المال والأهلون إلا ودائع ولابد يوماً أن ترد الودائع

و- الاستعانة على المصيبة بالصلاة، قال الله تعالى: { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (17)؛وقد "كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلى"(18)،ومعنى حزبه: أي نزل به أمرٌ مهم، أو أصابه غم.
وهذا حال المؤمن الصادق، الذي لا يخطر على قلبه في وقت المحن والشدائد، إلا تذكر الله عز وجل، لأنه الذي بيده مفاتيح الفرج.
ولما أخبر ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ بوفاة أحد إخوانه استرجع وصلى ركعتين أطال فيهما الجلـوس، ثم قام وهـو يقول:{ وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} (19).

ز- تذكر ثواب المصائب، والصبر عليها، وإليك شيئاً منه:
1- دخول الجنة: قال الله تعالى: { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ{23} سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(20).
وقال صلى الله عليه وسلم يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت(21) صفيّه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة)(22).وصفيه هو حبيبه المصافي كالولد، والأخ، وكل من يحبه الإنسان،والمراد بقوله عز وجل (ثم احتسبه): أي صبر على فقده راجياً الأجر من الله تعالى على ذلك(23).

2- الصابرون يوفون أجورهم بغير حساب. قال تعالى:{ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}(24)، قال الأوزاعيليس يوزن لهم ولا يكال، إنما يغرف لهم غرفاً)(25).

3- معية الله للصابرين، وهي المعية الخاصة المقتضية للمعونة والنصرة والتوفيق، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(26).

4- محبة الله للصابرين، قال تعالى: { وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (27).

5- تكفير السيئات لمن صبر على ما يصيبه في حال الدنيا، كبر المصاب أم صغر؛ قال صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه :" ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب، ولا همٍ، ولا حزن، ولا أذىً، ولا غم, حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها خطاياه"(28)، والنصب التعب، والوصب: المرض، وقيل هو المرض اللازم(29).
قال الإمام القرافي(ت684هـ) ـ رحمه الله تعالى ـ المصائب كفارات جزماً سواءً اقترن بها الرضا أم لا، لكن إن اقتران بها الرضا عظم التكفير وإلا قل) (29).
وقال صلى الله عليه وسلم :"ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله, حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة)(30).

6- حصول الصلوات، والرحمة، والهداية من الله ـ تعالى ـ للعبد الصابر؛ قال الله عز وجل: {أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}(31).

7- رفع منزلة المصاب؛ قال صلى الله عليه وسلم :" إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده، أو في ماله، أو في ولده، ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى"(33).


-----------------------------------------
(1) سورة الملك آية:2.
(2) عدة الصابرين (ص:81).
(3) شرح رياض الصالحين (1/121-122)، وانظر الشرح الممتع للشيخ أيضاً(5/495).
(4) أخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب: باب فضل الحامدين (2/1250رقم3803)، قال البوصيري في الزوائد إسناده صحيح، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/472رقم 265).
(5) الفروع (2/223).
(6) الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان(ص:265).
(7) مدارج السالكين(2/158) في منزلة الصبر.
(8) مدارج السالكين(2/162).
(9) سورة البقرة آية: 155-157.
(10) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب زيارة القبور(الفتح3/492-493برقم1283)، وباب الصبر عند الصدمة الأولى(الفتح3/523برقم 1302)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى(2/637برقم926).
(11) فتح الباري (3/494-495).
(12) المغني(3/495).
(13) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان: باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان(1/39برقم 9).
(14) سورة البقرة آية: 156.
(15) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب ما يقال عند المصيبة (2/632-633 برقم918).
(16) سورة البلد آية:4.
(17) سورة البقرة آية: 45.
(18) أخرجه الإمام أحمد(1/206)، وأخرجه أبو داود في كتاب الصلاة: باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة(2/50برقم1319)، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح(3/524)، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود(1/361 برقم 1319).
(19) فتح الباري (3/524)، قال الحافظ ابن حجر أخرجه الطبراني بإسناد حسن؛ وانظر الفروع لابن مفلح(2/223).
(20) سورة الرعد آية:23-24.
(21) المراد قبض روحه بالموت( فتح الباري13/20).
(22) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق: باب العمل الذي يبتغي به وجه الله تعالى(فتح 13/18برقم6424).
(23) فتح الباري(13/20).
(24) سورة الزمر آية:10.
(25) تفسير ابن كثير(4/52).
(26) سورة البقرة آية:153.
(27) سورة آل عمران آية:146.
(28) أخرجه البخاري في كتاب المرضى باب:ما جاء في كفارة المرض (الفتح 11/239برقم5641)، وأخرجه مسلم في كتاب البر واصلة والآداب: باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض أو حزن أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها(4/1990برقم 2572).
(29) فتح الباري(11/242-243).
(30) أخرجه الترمذي في كتاب الزهد: باب ما جاء في الصبر على البلاء، وقال عنه : حديث حسن صحيح(4/602برقم2399)، وصححه الألباني في الصحيحة (5/349برقم2280)، وفي سنن الترمذي أيضاً (ص: 541برقم2399 الطبعة الجديدة عناية الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان).
(31) سورة البقرة آية:155-157.
(32) أخرجه أحمد (5/273)، وأخرجه أبو داود في كتاب الجنائز: باب الأمراض المكفرة للذنوب (3/238 برقم3090)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة(6القسم الأول/189برقم2599)، وفي صحيح أبي داود(2/271برقم3090).



رد مع اقتباس
02-11-2007 04:35 AM#3
الغيث جاء عضو مسجلتاريخ التسجيلApr 2005المشاركات186


الصبر في طلب العلم



سورة الكهف

»وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً ء فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ء فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا, قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ء قال ذلك ما كنا نبغِ فارتدا على آثارهما قصصا ء فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ء قال له موسى: هل أتبعك على أن تعلمني مما عُلّمت رشدا ء قال: إنك لن تستطيع معي صبرا ء وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ء قال ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً ء قال: فإن اتبعتني فلا تسئلني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا ء فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا ء قال: ألم أقل إنَّك لن تستطيع معي صبرا ء قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا ء فانطلقا حتى إذا لقيا غلاماً فقتله قال: أقتلت نفساً زكية بغير نفس لقد جئت شيئاً نكرا ء قال: ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا ء قال: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا ء فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبو أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال: لو شئت لتخذت عليه أجرا ء قال: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ء أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ء وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا ء فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحما ء وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطِع عليه صبرا«(1).



شرح المفردات:

الحقب: ثمانون سنة

مجمع البحرين: ملتقى بحريّ فارس والروم.

الحوت: السمك.

زكية: طاهرة من الذنوب.

رحما: رحمة.

سربا: مسلكا.

نصبا: عناء.

إمرا: عظيما.

نكرا: منكرا.

يبلغا أشدهما: الحلم وكمال الرأي.



الشرح:

إن طلب العلم من أشرف الأعمال التي يقوم بها الإنسان أثناء مسيرته الحياتية.

ولأهمية العلم في حياة البشر نرى الباري عز وجل قد أولاه إهتماماً خاصاً، وقد ورد فيما نقل عن رسول اللّه(ص)، أن نطلب العلم من المهد إلى اللحد، ولكن هناك آداباً لطلب العلم يفترض مراعاتها بيّنتها الشريعة الغراء وألمح إليها القرآن الكريم. في سياق قصصي رائع.

والقصة هي قصة النبي موسى(ع) والعبد الصالح الخضر(ع).

حيث إن موسى (ع) وبوحي من الله عز وجل أراد أن يطلب العلم من هذا العبد العارف فقصده مسافراً إليه، واصطحب معه فتاه يوشع بن نون ليستعين به على مواجهة مصاعب الطريق، فركبا البحر يشقّان أمواجه لبلوغ غايتهما وكان معهما حوتاً مقدداً.

العزم والإصرار ثم اللقاء:

لقد كان لدى موسى (ع) علامات عن المكان الذي يقطنه العبد الصالح.. ومن علامات ذلك المكان أنه تدب فيه الحياة حتى في الجسد الميت، وكان موسى (ع) وفتاه قد كابدا الكثير من المشقات في السفر. ولكن عزم النبي موسى (ع) كان أشد من الصعاب حيث قال: »لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً«.

لأنَّه مستعد للسعي في طلب العلم ولو استغرق ذلك عشرات السنين.. بل إنه(ع) قد خاض لأجل ذلك لجج البحار..

ونتيجة هذا الإصرار والعزم الذي أكده موسى (ع) بتحّمل أشد المصاعب، فقد فارق أهله وركب البحار وتجشّم عناء السفر والسعي في سبيل التعليم، رغم انه قد بلغ سناً كبيراً وبعد أن أصبح رسولاً وقبلة للمتعلمين.. وفي لحظة التعب والجوع قال موسى(ع) لفتاه: »... آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً«.

لكن الفتى وجد أن السمكة الكبيرة التي أعداها لغدائهما قد عادت حيّة ورجعت إلى الماء.. فعاد الفتى مسرعاً إلى سيده ليخبره بذلك..

عندها انفرجت أسارير موسى (ع) ونسي جوعه وتعبه.. إنها العلامة التي كان ينتظرها.. إنه المكان الذي سيلاقي فيه معلمه.. وردّ على فتاه: »ذلك ما كنا نبغِ«.

وأخذ موسى وفتاه يجولان في ذلك المكان علّهما يصادفان ذلك العبد الصالح.. وبينما هما كذلك.. إذ بموسى تقع عيناه على رجل ممّدد على الأرض، غارق في صمت طويل.. هل يمكن أن يكون هذا الرجل الذي لا يملك شيئاً من متاع الدنيا إلا غطاءً قصيراً لا يكاد يغطي الرأس والقدمين معاً.. هل يمكن أن يكون هذا الإنسان هو العبد الصالح الخضر.. الرجل الذي كابد لأجله كل هذه المشاق.. نعم انه هو.



عرض.. ورد:

فاقترب النبي موسى (ع) من الخضر (ع) قائلاً بتواضع: »هل اتبعك على أن تعلمني مما عُلِّمت رشداً«.

عبارة أفرغ فيها موسى كل أدبه وسموّ خلقه طالباً من الخضر (ع) مستخدماً صيغة السؤال (هل اتبعك) حيث عبر بحكمة عن أهم أغراضه وهي أن يتخذ الخضر (ع) مربياً وقدوة مقدّماً لهذا الهدف على التعلم.. ثم طلب إليه: »على أن تعلمِّني مما عُلِّمت رشداً«.

خاطبه مخاطبة التلميذ المُقر بفضل وسمو مقام أستاذه وأحقِّيته بموقع المعلم والمربي واصفاً ما يحمل أستاذه من العلم بما يستأهله »بالرشد«.. ولكن هل يكفي ليصبح موسى (ع) أهلاً لأن يكون تلميذاً في مدرسة الخضر(ع) أن يتحمل مشاق الغربة والسفر والجوع والنصب والتواضع والإحترام للمعلم والمربي.. وهل تكفي معرفة الهدف من التعلّم.

فالمقام الذي يسعى إليه موسى (ع) والعلم الذي يطلبه ليس عادياً بل إنه مقام رفيع مؤونته صبر تنوء به الجبال ومقام لا يناله إلا ذو حظ عظيم.. ولذا جاء جواب الخضر (ع): »انك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تُحطِ به خبرا«.

ولكن شغف موسى بالعلم.. وتوقه إلى هذا المقام الذي حمله على تحملّ المعاناة دفع إلى ان يعاهده قائلاً: »ستجدني إن شاء الله صابراً، ولا أعصي لك أمراً«.

وجاءت الموافقة وقال العبد الصالح مشترطاً: »فإنْ اتبعتني فلا تسئلني عن شيءٍ حتى أُحِدث لك منه ذكراً«.

وفي هذه العبارات كان الدرس الأول وهو أن على موسى أن يتروى في تحصيل العلم وأنّ له أن لا يتعجَّل فالأمور مرهونة بأوقاتها والمربي المعلم أعلم بذلك.



الإمتحان الأول:

وانطلق موسى يتبّع الخضر (ع) ليتعلّم من سيرته، فبلغا ساحل البحر، فوجدا سفينةً تريد أن تعبر فحمل أصحابها معهم موسى (ع) وفتاه والعبد الصالح متفائلين بسيماء الصلاح في وجوههم.. وبيّنما السفينة في رحلتها منطلقة في عرض البحر.. حدث حادث أذهل موسى.. ها هو الخضر (ع) يقوم بخرق جانب السفينة، ثم يحشوها بالخرق والطين! ولكن هل من المعقول أن يقابل إحسان هؤلاء الناس أصحاب السفينة بإحداث عيب في سفينتهم.. فاستشاط موسى غضباً عندما رأى ذلك فقام وخاطب الخضر(ع): »أخرقتها لِتُغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً«.

ولكن الخضر (ع) ذكّر موسى (ع) بعهده له: »ألم أقل لك أنك لن تستطيع معي صبرا«.

فالتفت موسى وواخذ نفسه معتذراً إلى معلمه بالقول: »لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً«.



الإمتحان الثاني:

وبعد ان تركوا السفينة أخذ الثلاثة في السير.. حتى وصلوا إلى مكان فيه غلام يلعب، فقام الخضر إلى الغلام فقتله.. فتملك الغضب من موسى وهو يرى هذا المشهد فقال: »أقتلت نفساً زكيّة بغير نفس لقد جئت شيئاً نكراً«.

ولكن الخضر (ع) أعاد ما قاله لموسى (ع) أولاً: »ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا«.

وهنا انتبه موسى (ع) فقدم إليه إعتذاره الثاني والأخير: »إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذراً«.



الإمتحان الأخير:

وانطلقا حتى وصلا إلى قرية وكانا جائعين فطلبا طعاماً من أهل القرية فلم يضيفوهما.. وفي هذا الجو نظر الخضر (ع) فإذا بحائط قد مال وهو يوشك على السقوط فقام الخضر(ع)إليه فأقامه وأصلحه فقال له موسى: »لو شئت لتخذت عليه أجراً«.

فجاءه الجواب: »هذا فراق بيني وبينك«.



أجوبة على التساؤلات:

ولكن الخضر (ع) وهو المعلم لا يمكن أن يترك تلميذه حائراً دون أن يبين له حقائق الأمور فقال: ».. سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً، أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً، وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفرا، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة وأقرب رحما، وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحاً فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا«.



عبر من القصة

1 إن طلب العلم يصنع في الإنسان الإخلاص والعزم وعدم السقوط أمام الصعوبات.

2 الصبر على تعلم العلم أهم وسائل تحصيله.

3 من أهم آداب طلب العلم عدم الاستعجال في تحصيله وانتظار المعلم حتى يبين له الشائك منه وعدم اللجاجة والعجلة بالسؤال.

4 إن الكثير من الأمور قد تكون في ظواهرها سيئة وقاسية إلا أن بواطن الأمور فيها الكثير من اللطف الإلهي بالعباد ولذا فإن على العبد أن لا يقف على ظواهر الأمور ثم يسيى‏ء الظن بأحكام الله وتصرفات آوليائه.

5 إن واجب المعلم أخيراً أن لا يترك أي تساؤل في ذهن الطالب نعم له ان يوقت الكشف عن الحقائق بما يلائم مهمة التعليم وفائدته.



حكمة للحفظ

عن أمير الحكمة والبيان علي بن أبي طالب (ع): »من لم يصبر على ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل ابداً«.



أسئلة حول الدرس


1 ماذا شرط الخضر (ع) على موسى (ع) حتى يقبل تعليمه؟

2 ما هي العلامة التي دلت موسى على مكان الخضر؟

3 هل تستطيع أن تستخرج عبرة من القصة غير ما ذكر؟ إذكرها؟

4 أذكر حديثاً في فضل العلم أو آدابه.

5 كم مرة ذكر الصبر وما اشتق منه في الآيات التي تحكي القصة؟





هوامش

(1) سورة الكهف من الاية 60 حتى 82

رد مع اقتباس
02-11-2007 04:39 AM#4
الغيث جاء عضو مسجلتاريخ التسجيلApr 2005المشاركات186


( الصبر على طاعة الله )



عناصر الموضوع :

1. تعريف الصبر

2. أنواع الصبر

3. صبر النعمة

4. الصبر.. وقوة الإقدام والإحجام

5. أهمية الصبر

6. أشياء مناقضة للصبر



الصبر على طاعة الله:

الصبر من أعظم الأسباب التي أعانت الأنبياء عليهم السلام على نشر دعوتهم؛ لأنهم بصبرهم استطاعوا أن يتحملوا كل ما يواجهونه من قومهم من تكذيب لهم وسخرية منهم ومما يدعون إليه. فالصبر يعين السالك إلى طريق الله عز وجل، فيصبر على طاعة الله وعلى ما يأمره الله عز وجل من الأوامر المختلفة التي يحتاج فيها إلى الصبر والتحمل.



تعريف الصبر:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أشهد أن لا إله إلا هو رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيله القويم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وبعد: أيها الإخوة! الموضوع الذي سنتحدث عنه موضوع مهم جداً، وإذا تأملت معي -يا أخي المسلم- أهمية هذا الموضوع في الحياة التي نحياها الآن، لوجدته أمراً ذا بال، وأمراً خطيراً جداً. نحن الآن -أيها الإخوة- عندما نؤدي هذه الأركان وهذه العبادات لله عز وجل، يشعر الإنسان المسلم أحياناً بأنه متثاقل وهو يؤدي هذه العبادات.. يشعر بأن عليه مشقة كبيرة جداً لأداء صلاة الفجر أو أداء صلاة الجماعة في المسجد. وعندما يخرج الصدقات والزكوات يحس بأنه يجاهد نفسه لكي يخرج هذه الأموال، فيشعر بمشقة. وكذلك إذا دعا داعي الجهاد في سبيل الله وجدت الأمر صعباً. وكذلك إذا جاء الإنسان المسلم الذي هداه الله عز وجل ليستقيم على شرع الله، ويلتزم بأحكام الله، وجد المجتمع يؤذيه من كل جانب، ووجد أقرب الناس إليه وأحب الناس إليه يؤذونه ويثبطونه عن المضي في هذا الطريق. وامرأة مسلمة هداها الله إلى الإسلام تريد أن تلتزم بالحجاب تحس بأن الالتزام بالحجاب صعب جداً. وتاجر مسلم يريد أن يطهر أمواله من الربا، وينقيها من الحرام، يحس بأن هذا العمل شاق وصعب وشديد. الإنسان مع إخوانه في الله وهو يعيش معهم قد ينزغ الشيطان بينه وبينهم في أشياء كثيرة، وتعاملات عديدة، فلا يعجبه تصرف من هذا، أو قولة من ذلك.. إلى آخر تلك الأمور التي تحدث، مما يجعل الإنسان -أحياناً- يفكر في أن يترك إخوانه في الله -مثلاً- فكونه يجلس معهم ويجاهد نفسه للبقاء معهم أمرٌ عسير وشاق؛ هذه الأمور وغيرها -أيها الإخوة- مزاولتها تحتاج إلى صبر شديد؛ هذا الصبر الذي سنتحدث عنه، هو الذي يسهل هذه الأمور ويذلل الصعاب أمام الإنسان المسلم وهو يسير في طريقه إلى الله تعالى. فتعالوا بنا لنتعرف على هذه الكلمة العظيمة (كلمة الصبر) ونعرف معناها في اللغة والشرع؟ وكيف أتت في القرآن والسنة؟ وما هي أقسام الصبر؟ وما هي الأسباب الجالبة له؟ وما هي أنواعه من حيث تعلقه بأشياء كثيرة؟



اشتقاقات كلمة الصبر في اللغة:

اعلموا -رحمكم الله- أن أصل هذه الكلمة -كلمة الصبر- معناها في اللغة: المنع والحبس. يقال: صبر يصبر صبراً، وصبر نفسه، كما قال تعالى: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الكهف:28] معنى وَاصْبِرْ نَفْسَكَ [الكهف:28] أي: احبس نفسك، وامنعها عن تركها هؤلاء، اصبر نفسك معهم واحبسها. ويقال: "الصبر هو حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والقلب عن السخط". وكلمة الصبر لها اشتقاقات كثيرة في اللغة تتعلق بما نحن بصدده، من بيان معنى الصبر، فمن اشتقاقاتها -مثلاً- صبر، وتصبر، واصطبر، وصابر، وغيرها.. من الاشتقاقات، وكثير من هذه الألفاظ وردت في القرآن الكريم، بحيث يحتاج المسلم أن يعرف ما هي الفروق بين هذه الألفاظ؟ يقال للإنسان: صبر إذا أتى بفعل الصبر، وإذا تصبر الإنسان المسلم يقال: تصبر إذا تكلف الصبر واستدعاه، تكلف إحضار الصبر إلى نفسه، واستدعى هذا الصبر، فيسمى عندئذٍ تصبر، أي: جلب الصبر واستدعاه وتكلف حضوره، وهذه اللفظة كما يقول شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى: هي المعنى الوارد في قول الله عز وجل: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ [البقرة:177] فقال: البأساء: هو الفقر، والضراء: كل الأذى الذي يحدث في البدن، مثل: المرض.. وغيره فالصابرين في البأساء والضراء، أي: المتصبرين على البأساء والضراء. الذي يصبر ويستدعي الصبر ويتكلف الصبر، وهو يعيش في جو البأساء ومرارة الحاجة، هذا يسمى متصبر؛ لأنه قد جلب الصبر واستدعاه وتكلف حضوره. وكذلك يقال في اللغة: اصطبر، أي: تعلم الصبر واكتسبه، فالإنسان إذا كان يتعلم الصبر، ويحاول أن يكتسب الصبر، فإنه يسمى: مصطبراً. وهذه اللفظة تقودنا إلى شيء مهم جداً: هل الصبر خلق يكتسب؟ أم هو خلق فطري يولد مع الإنسان ولا يمكن الزيادة فيه ولا النقصان منه؟ الصحيح في هذه المسألة: أن الصبر من الفطر التي يفطر الناس عليها، فترى بعض الناس من طبيعتهم أنهم يصبرون، وبعض الناس لا يصبرون، لكن الصبر بالإضافة إلى هذا الكلام يمكن تعلمه واكتسابه، بمعنى: يمكن أن يكون الإنسان غير صابر، فيتعود على أشياء معينة، ويتعلم أشياء معينة تصل به إلى اكتساب الصبر. ما هو الدليل؟ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري : (ومن يتصبر يصبره الله). إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يقرر بأن الإنسان يمكن أن يتصبر -يعلم نفسه الصبر- ويكافح حتى يصل إلى مرحلة يكتسب فيها هذه الخصلة وهي الصبر، فإن المزاولات -مزاولة الشيء- تعطي الملكات ومن زاول شيئاً واعتاده وتمرن عليه صار ملكاً له، وسجيةً، وطبيعة كما يقول ابن القيم رحمه الله. وقد جعل الله في الإنسان قوة القبول والتعلم لهذه الطبائع- بالرغم من أنها طبائع إلا أنه من الممكن تعلم هذه الطبائع واكتسابها- غير أن العبد أحياناً إذا كان نزقاً لا يصبر، ثم حاول أن يكتسب الصبر ويتعود ويتطبع بالصبر، فقد يكون انتقاله هذا من عدم الصبر إلى الصبر ضعيفاً، فيعود العبد إلى طبعه الأصلي بأدنى فاعل؛ فأدنى وقعة تجعله يعود إلى عدم الصبر الذي كان سجيةً له. أحياناً يكون التصبر فيه قوة، بحيث لا يعود إلى سجيته الأولى التي هي عدم الصبر والحدة إلا بباعث قوي، فقد يكون في موقف قوي بحيث يخرجه عن هذا التصبر إلى السجية الأولى التي كان عليها، وأحياناً يكون التعلم والاكتساب للصبر قوياً جداً، بحيث يملك على الإنسان نفسه، ولا يعيده إلى ما كان عليه في الماضي. وإذا جئنا إلى اللفظة الأخرى من اشتقاقات الصبر وهي كلمة صابر؛ فإن لفظة صابر تفيد وقوف الإنسان مع خصمه في عملية الصبر، ولذلك فلفظة: صابر، على وزن فاعل؛ وهذه اللفظة تعني: أنه لا بد من وقوعها بين اثنين على الأقل، مثل: شاتم، هذا شتم فلاناً وفلان شتمه، كذلك صابر، أي: هذا صبر وهذا صبر، كل واحد يصبر من جهة، فأيهم الذي يكون صبره أكثر من صبر الآخر؟ عملية التسابق في الصبر تسمى مصابرة؛ والمصابرة أعلى مرتبة من الصبر، لأن الإنسان يمكن أن يصبر لكن لا يصابر، قد يصبر لفترة معينة لكن لا يصبر مع خصمه إلى النهاية، فيفقد الصبر في منتصف الطريق، فلا يقال: صابر، وإنما يقال: صبر. الآن بعد أن عرفنا هذه الأشياء.. تأمل قول الله تعالى في آخر سورة آل عمران، تتضح لك معانٍ لم تكن متضحة من قبل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]. قد يقول إنسان قبل أن يتعلم هذه الألفاظ: ما هو الفرق بين صبر وصابر؟ كيف يأمر الله الناس: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا [آل عمران:200] ما هو الفرق؟ فالآن المقام مقام كلام على المرابطة والجهاد، يأمر الله الناس أن يصبروا ويصابروا الأعداء؛ لأن الأعداء قد يصبرون، فالمؤمنون يجب أن يصابروا عدوهم، حتى يفوقوهم في الصبر والجلد في مجال المعركة.. وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200]. فالمصابرة: هي حال الإنسان في الصبر مع خصمه، فإن العبد قد يصبر لكنه لا يصابر.



تعريف الصبر شرعاً:

أما تعريف الصبر من ناحية الشرع: فقد ذكر بعض العلماء: "أنه خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به الإنسان الصابر من فعل ما لا يحسن ولا يجمل شرعاً". هذا الخلق الذي يحمل النفس على الامتناع عن الأشياء التي لا تجمل ولا تحسن شرعاً، هذا هو الصبر. وكذلك قال بعض السلف: "الصبر ثبات القلب عند موارد الاضطراب". والصبر والجزع ضدان، ولهذا يقابل أحدهما الآخر، ولذلك قال الله عن أهل النار: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم:21] أهل النار يوم القيامة عندما يطبق عليهم العذاب من كل جانب، يقول بعضهم لبعض: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا [إبراهيم:21] أي: فقدنا الصبر على هذا العذاب (( أَمْ صَبَرْنَا [إبراهيم:21] على هذا العذاب ليس هناك فائدة، كله واحد مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم:21] أي: ليس هناك مهرب ولا مفر؛ لأنهم لو صبروا على العذاب أو جزعوا فإن النتيجة واحدة، وهي أن العذاب مستمر، فإن صبرهم لن يفيدهم شيئاً. أيها الإخوة: الصبر إذا كان صبراً عن شهوة الفرج، فإنه يصبح عفة، تأمل في الصبر كيف أنه يداوي ويقلب الصفات الذميمة إلى صفات حسنة، فإذا كان صبراً على شهوة الفرج، فإنه يسمى عفة، وضدها الفجور والزنا. وإن كان صبراً على شهوة البطن وعدم التسرع في الطعام، أو تناول ما لا يحسن الإنسان أن يتناوله، فإنه يسمى شرف نفس، وشبع نفس، ليس شبع بطن، وضده الشره والدناءة. وإن كان صبراً على إظهار ما لا يحسن إظهاره من الكلام، فإنه يسمى: كتمان سر. وعكسه إذاعة السر وإفشائه، أو اتهام الناس، أو فحشهم وسبهم، والكذب عليهم وقذفهم والافتراء عليهم، هذا كله ضد صبر النفس وصبر اللسان عن التكلم بما لا يحسن التكلم به شرعاً. وإن كان صبراً على فضول الدنيا، فإنه يسمى: زهداً. وإن كان صبراً على قدرٍ يكفي من الدنيا؛ فإنه يسمى: قناعة. وإن كان صبراً عن إجابة داعي الغضب في النفس، فإنه يسمى: حلماً. وإن كان صبراً عن إجابة داعي العجلة والتسرع، فإنه يسمى: وقاراً وثباتاً. وإن كان صبراً عن إجابة داعي الفرار والهرب، فإنه يسمى: شجاعةً. وإن كان صبراً عن داعي الانتقام، فإنه يسمى: عفواً وصفحاً. فتأمل معي كيف أن هذا الصبر هو الذي يقلب الأخلاق السيئة في النفس إلى أخلاق حسنة، وهو الذي يداوي الأمراض النفسية ويجعلها تصل بالنفس إلى مراحل عليا. وعرف بعض العلماء الصبر: "بأنه الثبات على أحكام الكتاب والسنة". وقال بعضهم: هو الاستعانة بالله.



أنواع الصبر:

اعلموا -أيها الإخوة- أن الصبر ينقسم إلى نوعين:

1- صبر بدني.

2- صبر نفساني. وكذلك فإنه ينقسم إلى نوعين آخرين من جهة أخرى:

1- صبر اختياري.

2- صبر اضطراري. ولو جمعنا هذين النوعين إلى هذين النوعين لأصبح عندنا أربعة أنواع: الصبر البدني الاختياري: وهو صبر يتعلق بالبدن لكنه اختياري، يمكن أن يفعله الإنسان ويمكن ألا يفعله، مثل: الصبر على تعاطي الأعمال الشاقة، كالذي يصبر على حمل الأشياء الثقيلة؛ فهذا صبر بدني اختياري.

2- الصبر البدني الاضطراري، كشخص أخذ وعذب وضرب، فهو الآن يضرب من قبل الذي يعذبه، فهذا صبر بدني اضطراري.

3- الصبر النفساني الاختياري: كصبر الإنسان على حبس النفس عن الغضب.

4- الصبر النفساني الاضطراري: كصبر النفس عن محبوبها قهراً إذا حيل بينها وبينه، مثلاً: شخص أراد أن يهاجر في سبيل الله، ولكنه حبس أن يهاجر إلى أقوام صالحين، أو حبس عن إتيان شيء من الأشياء المحمودة شرعاً. فهذه الأنواع الأربعة بعضها يجتمع في الحيوان، وبعضها لا يكون إلا في الإنسان، هناك نوعان لا يكونان إلا في الحيوان، والنوعان وهما: البدني والاضطراري؛ وهذا من صبر الحيوان؛ لأن الحيوان ليس له اختيار. إذاً: بعض الناس عندهم صبر بدني، كأن يكون جسمه قوي فيستحمل، وهذا النوع من الناس لا يكون محموداً دائماً، لأنك تجد بعض الكفرة أو بعض الناس الذين يجرون وراء الماديات، عنده استعداد أن يصبر في العمل والكد ويشتغل في اليوم اثنا عشر ساعة أو أربعة عشر ساعة، كسائق الشاحنة الذي يذهب ويرجع على الخطوط ويتنقل ويصبر على هذا التعب؛ فهذا الصبر ليس محموداً دائماً، هذا الصبر فيه من صبر الحيوانات، بل إن بعض الحيوانات تصبر في الصبر البدني أكثر من الإنسان. وكذلك الصبر الاضطراري، فإن الحيوان يصبر على الآلام اضطراراً، فما هو يا ترى النوع الذي يفترق فيه الإنسان عن الحيوان؟ الصبر الذي يفترق فيه الإنسان عن الحيوان هو الصبر النفساني والصبر الاختياري؛ هذه الأشياء التي يفترق فيها الإنسان عن الحيوان. ولذلك تجد بعض الناس يعمل بكد ويتعب نفسه ويصبر على هذا التعب البدني؛ لكي يحصل الأموال، فهذا مثل الحيوان ولا يوجد فرق بينهما، وإذا صار فيه مرض صابر غصباً عنه؛ لأنه لا يمكن أن يزيل المرض بالقوة، فيصبر على هذا المرض. فهذه الأنواع من الصبر ليست هي الأنواع التي ترفع الإنسان إلى المكانة العليا إلا إذا قصد بها وجه الله. الأشياء التي تحتاج إلى مصابرة فعلاً هي: المصابرة النفسية على أشياء النفس وهواها، وكذلك على الأشياء الاختيارية التي يمكن للإنسان أن يفعلها أو لا يفعلها، وهو مع ذلك يفعلها في الخير؛ هذه الأشياء التي تفرق بين الإنسان والحيوان؛ فالإنسان إذا صابر باعث الهوى ودفعه صار مثل الملائكة في هذا الجانب، وإذا غلبه باعث الهوى والشهوة فإنه يصبح مثل الشياطين، وإذا غلبه طبع الأكل والشرب والجماع فقط فإنه يصبح مثل البهائم. الصبر ينقسم إلى ثلاثة أنواع:

1- صبر على طاعة الله.

2- صبر عن معصية الله -أي: يصبر عن المعصية فلا يرتكبها.

3- صبر على أقدار الله. وكلامنا سوف يتركز على النوعين الأوليين: الصبر على الطاعة، والصبر عن المعصية. هذه الثلاثة الأشياء اجتمعت في آية واحدة، وهي قول لقمان لابنه وهو يعظه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17]. فإن في قوله: أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ [لقمان:17] فعل الطاعة والصبر على الطاعة. وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ [لقمان:17] ليس من المعقول أن ينهى عن المنكر وهو يفعل المنكر، فمعنى هذا: أن لقمان يوصي ابنه بالصبر عن المعصية. وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ [لقمان:17] الصبر على أقدار الله التي تصيب الإنسان. فهذه الأشياء: الصبر على الطاعات، والصبر عن المحرمات، والصبر على الأقدار. هل هي واجبة، أو مستحبة، أو مكروهة، أو محرمة؟ الجواب: يجب على الإنسان أن يصبر على هذه الأشياء؛ يصبر على الطاعة.. يصبر على الصلاة، يصبر على الزكاة، وكذلك الصبر عن المحرمات، مثل: الصبر عن الشهوات، فلذلك يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى، في مسألة الاستمناء: من فعل الاستمناء تلذذاً، أو تذكراً، أو عادةً، بأن يتذكر في حال استمنائه صورة كان يجامعها، فهذا كله محرم، لا يقول به أحمد ولا غيره؛ لأن المشهور من مذهب الحنابلة: أن الاستمناء مباح، فيقول شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا لا يقول به أحمد ولا غيره، والصبر عن هذا من الواجبات لا من المستحبات. والصبر عن المحرمات واجب وإن كانت النفس تشتهيه وتهواه، قال تعالى: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النور:33] ما هو الاستعفاف؟ ترك المنهي عنه، وقد سبق أن ذكرنا الشيء الذي إذا صبرت عليه فإنك تصبح عفيفاً.



التفاضل بين أنواع الصبر:

إذاً: هذه الأشياء واجبة وليست مستحبة، أو مكروهة. إن سألت: هل الصبر الاضطراري أفضل أم الصبر الاختياري؟ أي: هل الصبر على الفعل الذي يفعله الإنسان باختياره أفضل أم الصبر على الشيء الذي وقع بدون اختيار؟ هل الصبر على الطاعة التي يمكن أن تفعلها ويمكن ألا تفعلها، أو الصبر عن المعصية التي يمكن أن تفعلها ويمكن ألا تفعلها أفضل؟ أم الصبر على مرض أصابك، أو على بلية حلت بك؟ وهذا كله واجب، فيجب أن تصبر في كل الحالات، لكن أيهما أفضل؟ يقول ابن تيمية رحمه الله: والصبر الاختياري أكمل من الاضطراري، ولهذا كان صبر يوسف الصديق صلى الله عليه وسلم عن مطاوعة امرأة العزيز أكمل وأفضل من الصبر على ما ناله من الحبس، أو على ما ناله من إلقاء إخوته له في الجب؛ لأن الصبر فيهما صبر اضطراري، لا يمكن ليوسف أن يدفعه عن نفسه، لكن لما صمد أمام امرأة العزيز، وهذا صبر اختياري، لأنه كان يستطيع أن يقع في المحرم لكنه منع نفسه منها، فلهذا صار صبره من هذه الناحية أفضل، وهو وقع في الحالتين -يوسف عليه السلام- فإن صبره على امرأة العزيز صبر اختياري وإيثار ومحبة لله عز وجل. وكذلك كان صبر نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام على ما أمرهم الله من الأوامر وأعطاهم من الشريعة؛ صبرهم باختيارهم وفعلهم ومقاومتهم لأقوامهم أكمل من صبر أيوب على ما ناله في الله من ابتلاء، فكان صبر هؤلاء أكمل من صبر أيوب. وكذلك كان صبر إسماعيل الذبيح، وصبر أبيه إبراهيم على تنفيذ أوامر الله عز وجل بالذبح، أكمل من صبر يعقوب على فقد ولده. لماذا؟ لأن صبر إبراهيم وإسماعيل صبر اختياري، كان يمكن أن ينفذ الذبح ويمكن ألا ينفذ، ويمكن أن يعترض إسماعيل وممكن ألا يعترض، ولكنهما أسلما لله عز وجل وصبرا صبراً اختيارياً، صبر إيثار ومحبة لله عز وجل، بخلاف صبر يعقوب على فقد ابنه يوسف، فإنه صبر اضطراري؛ فقد ابنه فماذا بإمكانه أن يفعل؟ يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: وهكذا إذا أوذي المسلم على إيمانه، وطلب منه الكفر أو الفسوق أو العصيان، فإذا لم يفعل أوذي وعوقب فاختار الأذى والعقوبة على فراق دينه، أو الحبس والخروج من بلده، كما جرى للمهاجرين حيث اختاروا فراق الأوطان على فراق الدين، وكانوا يعذبون ويؤذون؛ هذا كله من أنواع الصبر الاختياري العظيم الأجر، وقد أوذي النبي صلى الله عليه وسلم بأنواع من الأذى فكان يصبر عليها صبراً اختيارياً، فإنه إنما يؤذى لئلا يفعل ما يفعله باختياره، كان يمكنه أن يتوقف عن الدعوة إلى الله عز وجل، لكنه آثر واختار أن يسير في مشوار الدعوة اختياراً، صبر على هذا صبر اختيار، فكان هذا أعظم من الصبر الاضطراري. وكذلك فقد حبس المشركون النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في شعب أبي طالب ، ولما مات أبو طالب اشتدوا عليه. إذاً -أيها الإخوة- هذه الأنواع من الصبر أنواع عظيمة جداً؛ لأن أصحابها قد اختاروا الصبر في ذات الله عز وجل اختياراً من أنفسهم، وهذا هو الذي يحمل الإنسان على المجاهدة في سبيل الله عز وجل، ولذلك كان الأمر الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم موجه لنا أيضاً فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] ما قال: فاصبر كما صبر أيوب، إنما قال: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف:35] لأن صبرهم كان قمة صبر الاختيار، وهؤلاء أولو العزم هم الذين صار عليهم مدار الشفاعة يوم القيامة، حتى ردوها إلى أفضلهم وخيرهم وأصبرهم لحكم الله، وصلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعلى محمد صلى الله عليه وسلم. إن قال إنسان: هل الصبر على فعل المأمور أفضل أم عن فعل المحظور؟ أي: الصبر على الطاعة أفضل أم الصبر عن المعصية؟ هذه المسألة اختلف فيها العلماء، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بأن الصبر على فعل الطاعة أعلى من الصبر عن فعل المعصية؛ لأن الأصل المأمور، وما جاء النهي عن المحظور إلا تكملة وحفظاً للمأمور، صار الصبر على فعل المأمور أعلى. ويقول ابن القيم رحمه الله: يكون الصبر في وقت المأمور وفي الوقت المحظور هو الأفضل، فإذا حضرك شيء محظور كان الصبر عنه هو الأفضل في ذلك الوقت، وإذا حضرك شيء مأمور به صار الصبر عليه هو الأفضل في وقته.





رد مع اقتباس
02-11-2007 04:41 AM#5
الغيث جاء عضو مسجلتاريخ التسجيلApr 2005المشاركات186


أنواع الصبر عند ابن القيم:

وقسم بعض العلماء كما يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين : الصبر إلى ثلاثة أنواع: 1- صبر لله. 2- صبر مع الله. 3- صبر بالله. - فأما الصبر الذي بالله: فإن الله إذا لم يصبرك لم تصبر، فلذلك يقول الله تعالى: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] لأن الله عز وجل إذا ما صبرك لا تصبر، لأن الصبر آتي من الله عز وجل؛ لأنه هو الذي يرزقك الصبر. وأما الصبر لله: فهو أن يكون لوجه الله، فإن بعض الناس قد يصبرون عن أشياء لكن ليس لوجه الله، -مثلاً- على فعل الصلاة رياء، فيجب أن يكون صبره لله، إنسان يصلي أمام الناس من أول الصلاة إلى آخر الصلاة وهو يصبر نفسه ويحبسها على أفعال الصلاة، ولكن ليس صبراً لله وإنما لمراءاة الناس، فهذا لا يكون صبراً لله. - وأما الصبر مع الله: فبعض الصوفية يعرفونه بتعريفات منحرفة، ولكن يوجه ابن القيم رحمه الله هذه القضية، فيقول: الصبر مع الله، أي: مع أوامر الله بحيث يدور الإنسان المسلم معها حيث ما دارت، فأينما توجهت به الأوامر توجه معها، فهذا الإنسان يكون صبره دائماً مع الله عز وجل، حيث ما كانت مرضاة الله فهو يصبر.



صبر النعمة:

هناك أشياء في الصبر لا بد للإنسان المسلم منها، أحياناً يتصور الإنسان أن الصبر هو على قضية البلاء، لكن -أيضاً- لا بد أن يتصور الإنسان المسلم أن الصبر على النعماء لا يقل شدة عن الصبر على البلاء، ولذلك يقول بعض السلف: "ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر". أحياناً الإنسان في مواجهة التحدي والمصاعب يصمد ويصبر، لكن إذا فتح عليه من زهرة الدنيا وزينتها لا يصبر. ويقول بعض السلف أيضاً: "البلاء يصبر عليه المؤمن والكافر، ولا يصبر على العافية إلا الصديقون". فعلاً! قد تجد بعض الكفار يصبرون على البلاء، قد تجد كافراً لا يتسخط ولا يشتكي، لكن لا يصبر على العافية إلا المخلصون والصديقون، فإذا جاءتك نعمة من الله عز وجل فكيف يكون صبرك عليها؟ أولاً: ألا تركن إليها ولا تغتر بها؛ هذا من الصبر في حال النعمة. ثانياً: ألا تنهمك في نيلها وتبالغ في استقصائها، كمن يبالغ في الأكل والشرب والجماع، حتى يؤدي ذلك إلى ضد ما يتمنى، فيؤدي به الإفراط في الأكل والشرب إلى التخمة، وإلى أن يضطر إلى أن يحمي نفسه عن الأكل والشرب، ويؤدي به الإفراط في الجماع إلى استنزاف قواه، وخور قواه العقلية أيضاً، ولذلك لا بد أن يحفظ الإنسان نفسه ولا يفرط في هذه الأشياء. ثالثاً: الصبر على أداء حق الله في هذه النعم، حتى لا يضيع الإنسان هذه الأشياء فيسلبها الله منه. رابعاً: أن يصبر عن صرف هذه الأشياء في الحرام؛ هذا كله من صبر النعمة. وكان بعض الصالحين يحمل في جيبه رقعة يخرجها كل ساعة فيطالعها إذا غفل، وكان مكتوب فيها: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48] فإن الإنسان قد يصبر في الضراء لكن لا يصبر في السراء، فيجب أن يكون الصبر مصاحباً له في جميع الأحوال.



الصبر.. وقوة الإقدام والإحجام:

والصبر -أيها الإخوة- من أشق الأشياء على النفوس، وهذه المسألة التي سنذكرها الآن مهمة جداً. النفس فيها قوتان:

1- قوة إقدام.

2- قوة إحجام.

النفس فيها قوة تجعل الإنسان يقدم في مواطن، وكذلك فيها قوة تجعل الإنسان يحجم. فيجب على الإنسان بعملية الصبر أن يجعل قوة الإقدام مصروفة إلى الأشياء التي تنفعه، وقوة الإحجام يجعلها بالصبر إحجاماً عما يضره. ومن الناس من تكون قوة صبره على فعل ما ينتفع به أقوى من صبره على ما يضره، فلذلك تجد بعض الناس يصبرون على مشقة الطاعة ولكنهم لا يصبرون عن المعصية، فهو قد تحكم في قوة الإقدام ففعل الطاعة، لكنه ما تحكم بصبره في قوة الإحجام فيقع في المعصية، فيقول ابن القيم رحمه الله: "فكثير من الناس -وهذه حالة عجيبة موجودة عند بعض الناس فعلاً- يصبر على مكابدة قيام الليل - يقوم في الليل ويكابد ويصبر على الطاعة- في الحر والبرد، ويصبر على مشقة الصيام ويصوم ولكنه لا يصبر على نظرة محرمة". فعلاً.. قد تجد بعض الناس يصلي الفجر في المسجد ويواظب على الصلاة ويصوم صيام النفل، لكنه إذا رأى امرأةً تعبر الطريق لم يتمالك نفسه عن النظر إليها. وكثير من الناس له صبر عن المعاصي، لكن ليس له صبر على الطاعات، فقد تجد بعض الناس يصبر على الشهوات؛ ولا ينظر إلى المرأة الأجنبية، ولا يتلذذ بالمحرمات، لكنه لا يستطيع أن يصبر نفسه عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وجهاد الكفار والمنافقين؛ وهذا أيضاً حاصل، ما هو السبب في حدوث هذه الصورة المتناقضة؟ السبب يرجع إلى أمرين:

1- القوة التي تدعوك: الجاذبية التي تدعوك لعمل هذا العمل.

2- سهولة عمل هذا الفعل بالنسبة للإنسان.

فإذا اجتمع في الفعل هذان الأمران كان الصبر عنه أشق شيء على الصابر، فلو كانت قوة الداعي إلى فعل هذا الأمر قوية جداً، مثلاً: إنسان شهوته قوية جداً، وقضاؤها ميسر له، فعند ذلك يكون الصبر في هذا الموقف في أعلى الدرجات، وإن فقدا معاً إذا لم تكن هناك قوة تدفعك إلى فعل هذا الأمر المحرم، وأيضاً هذا الأمر صعب جداً لا يكاد يوجد -نادر- فيكون الصبر في هذه الحالة سهل؛ لأنه ليس هناك قوة تدفعك إلى هذا العمل، وفي نفس الوقت هذا العمل صعب جداً أن يتوفر، فلذلك يكون الصبر سهل جداً، وبحسب تفاوت العامل الأول والثاني يتفاوت الصبر. وقد يوجد أحدهما ويفقد الآخر، فمثلاً: هناك أناس ليس عندهم دافع إلى القتل والسرقة، وفي نفس الوقت القتل والسرقة قد يكون صعب فعلهما، ففي هذه الحالة يكون صبره على القتل والسرقة سهلاً. وقد يكون الداعي إلى هذا العمل أحياناً قوياً وسهلاً، فيكون الصبر عليه شديداً، ولذلك كان صبر السلطان عن الظلم، وصبر الشاب عن الفاحشة، وصبر الغني عن اللذات والشهوات، صبره عند الله بمكان عظيم؛ لأن الإنسان عندما يكون في السلطة والمنصب يكون الداعي إلى ظلم الناس كبير.. الداعي لهم بفعل التسلط والتجبر والارتفاع عليهم، وكذلك العملية سهلة، فكونه يصبر نفسه ويكون إماماً عادلاً صار هذا الصبر عظيماً. لذلك كان من السبعة الذين يظلهم الله، الشاب الذي يصبر على الفاحشة، داعي العمل، الرجل الذي (دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله) هذا الرجل الشاب داعي الفاحشة في نفسه قوي؛ لأنه شاب. والداعي الثاني: أن المرأة متيسرة، فلما صبر عن هذه القضية صار من السبعة الذين يظلهم الله، فصار صبرهم عند الله بمكان؛ لأن الداعي قوي، والفعل سهل ومتيسر، ومع ذلك صبروا. وهاتان المسألتان -أيها الإخوة- مهمتان، لماذا؟ لأنهما تعللان لنا لماذا الناس -أحياناً- يصبرون على طاعات كثيرة، لكنهم لا يصبرون على آفات اللسان. لماذا كان الصبر عن آفات اللسان شديداً؟ لأنه متيسر؛ حركة اللسان سهلة جداً، فلذلك أصبح الكلام في عيوب الناس من فاكهة الإنسان، فكثير من الناس يقعون في الغيبة، والنميمة، والكذب، والثناء على النفس، وتزكيتها، مع أنهم يصلون مع الناس في المساجد، ويؤدون الزكاة، ويصبرون في الصيام، ويفعلون أشياء كثيرة جداً، بل قد يدعون إلى الله، وقد يصبرون على المشاق، لكن آفات اللسان عندهم متفشية؛ لماذا؟ لأن قضية اللسان سهلة متيسرة؛ فلذلك يقع فيها الإنسان، فكان الصبر في هذه الحالة قوياً جداً. فإذا اعتاد العبد على المعاصي اللسانية فإنه يعز عليه الصبر عنها؛ ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله: ولهذا تجد الرجل يقوم الليل، ويصوم النهار، ويتورع عن استناده إلى وسادة حرير لحظة واحدة -أي: لو أعطيته وسادة حرير لا يمكن أن يستند عليها ولو لحظة واحدة- وكذلك يتورع عن الدقائق من الحرام، والقطرة من الخمر، ومثل رأس الإبرة من النجاسة؛ ولو أصابه قليل منها ذهب يغسل ويحتاط، لكنه إذا جاء إلى مسائل الغيبة والنميمة والتفكه في أعراض الخلق أطلق فيها لسانه؛ لسهولة العملية، بل وصل الأمر ببعضهم كما يقول ابن القيم رحمه الله إلى حالة عجيبة، فيقول: وكما يُحكى أن رجلاً خلا بامرأة أجنبية، فلما أراد مواقعتها قال: يا هذه! غطي وجهك فإن النظر إلى وجه الأجنبية حرام. فالدافع للشهوة عنده قوي!! النظر إلى وجه الأجنبية حرام، ثم يقع عليها ويواقعها. هذا كله من الورع الفاسد، وهذا الورع يشبه ورع ذلك الرجل الذي جاء في الحج إلى ابن عمر يسأله عن دم البعوض في الإحرام؟ فقال ابن عمر : من أين أنت؟ فقال: من أهل العراق ، فقال ابن عمر : (تسألني عن البعوض وقد قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإني سمعته -صلى الله عليه وسلم- يقول: هما ريحانتاي من الدنيا) السبب أن هناك أناساً عندهم هذا الانحراف فعلاً، وهذه الازدواجية العجيبة، وعندهم مثل هذا الورع الفاسد، ما هو السبب؟ السبب يعود إلى قوة الدافع، وسهولة حصول الأمر.



أهمية الصبر:

الصبر له أهمية عظيمة، فالذي يتدبر آيات الكتاب العزيز يجد جانباً كبيراً من هذه الأهمية، فتجد أن الله عز وجل، كما يقول الإمام أحمد رحمه الله: عظم أمر الصبر في القرآن جداً، فأمر به في قوله: وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ [النحل:127] ونهى عن ضده، فقال: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ [آل عمران:139]، وقال: وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35] نهى عن ضد الصبر، وعلق الفلاح على الصبر، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200] وأخبر عن مضاعفة الأجر للصابرين بأضعاف مضاعفة وبغير حساب، فقال تعالى: أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا [القصص:54] بل إنه يضاعف بغير حساب، كما قال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10]. قال أحد السلف : كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر؛ لأن الله قال: بِغَيْرِ حِسَابٍ [الزمر:10] ولذلك كان أجر الصوم غير مقدر، كما يقول الله في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به) لأن الصوم يتعلق أساساً بالصبر؛ وهو عبارة عن حبس النفس ومنعها عن الطعام والشراب والجماع والغيبة ... إلى آخره، بل إن الله علَّق الإمامة في الدين، على الصبر واليقين، كما قال الله عز وجل: وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا فإن الله عز وجل جعل طائفة من الناس أئمة؛ يأتم بهم الناس ويقتدون بهم وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا [السجدة:24] فإذا أراد أحد منا أن يكون إماماً للناس يقتدى به، فعليه أن يأخذ بالصبر بالدرجة الأولى وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ [السجدة:24] ولذلك كان من أقوال ابن تيمية رحمه الله: "بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين". بل إن الله جعل للصابرين ظفراً ليس مثله ظفر، وهو: الظفر بمعيته عز وجل، فقال: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]. وجمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم، وهي: 1- صلاة منه عليهم. 2- رحمته لهم. 3- هدايته إياهم. ما هو الدليل؟ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157] فجمع لهم ثلاثة أشياء ما جمعها لأحد غيرهم: صلوات من ربهم، ورحمة، واهتداء. وكذلك جعل الله الصبر عوناً لنا، فقال تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ [البقرة:45] فجعله عوناً وزاداً وسلاحاً. وعلق النصر على الصبر، فقال عز وجل: بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةُ مُسَوِّمِينَ [آل عمران:125]، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن النصر مع الصبر). وأخبر سبحانه وتعالى أن الملائكة تسلم على المؤمنين في الجنة لصبرهم، فقال سبحانه: وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:23-24] صبرتم على ماذا؟ صبرتم على الطاعة، وعن المعصية، وعلى أقدار الله تعالى، وعلى المصائب. وكذلك جعل الله أهل محبته هم أهل الصبر، فقال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [آل عمران:146]. وأخبر أن خصال الخير لا تجتمع ولا تعطى ولا تلقى إلا للصابرين، جاء في موضعين في القرآن، يقول الله عز وجل في قصة العلماء الذين كانوا من بني إسرائيل وكانوا صالحين وهم من قوم قارون: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:80]. وكذلك قال عز وجل عمن صار بينه وبين أحدٍ عداوة فعامله بالحسنى، قال: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35]. إذاً: خصال الخير كلها تجتمع في الصابرين. وأخبر عز وجل بأنه لا ينتفع بآياته إلا أهل الصبر، فقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم:5]. والله عز وجل قرن بين الصبر وبين أشياء عظيمة، عندما تجده مقترناً بشيء عظيم فإن هذا يدل على عظمته هو، فقرن الله الصبر بالتقوى، وقرن الصبر بالعمل الصالح، وقرن الصبر بالمرحمة، فمن اقتران الصبر بالتقوى قوله عز وجل: لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [آل عمران:186]، وقال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ [يوسف:90]، وكذلك قرن الله الصبر بالوحي، فقال: وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [يونس:109]، وقرن بين الرحمة والصبر فقال عز وجل: ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ [البلد:17]. وبالنسبة للصبر والرحمة فهذه الأشياء لو اجتمعت فيكون أنواع الناس في الصبر والرحمة أربعة أنواع:

1- أن يصبر ولا يرحم.

2- أن يرحم ولا يصبر.

3- أن يصبر ويرحم.

4- ألا يصبر ولا يرحم. يقول ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى كلاماً جميلاً عن هذه الآية : إذ من الناس من يصبر ولا يرحم كأهل القوة والفساد، فهم يصبرون ويجالدون لكنهم لا يرحمون. ومنهم من يرحم ولا يصبر كأهل الضعف واللين، مثل كثير من النساء ومن يشبههن. أي: أن من طبيعة النساء أنهن يرحمن ولكن لا يصبرن؛ فقد تجد المرأة فاسقة والعياذ بالله، لكن إذا رأت طفلاً يحتاج إلى إرضاع وجائع رحمته وأرضعته، وقد تكون ممن لا تصبر على الفواحش؛ وهذه خصلة في المرأة أكثر من الرجل ينبغي على المرأة الانتباه إليها.. أنها قد ترحم ولكن لا تصبر، فلا تعتبر نفسها إذا رحمت أنها بخير إذا كانت من غير أهل الصبر، يجب عليها أن تجمع إلى رحمتها الصبر. ومنهم من لا يصبر ولا يرحم كأهل القسوة والهلع. أناس عصاة يصبرون لأن عندهم جلد لكن عندهم هلع لا يصبرون أيضاً. قال: والمحمود هو الذي يصبر ويرحم. والصبر -أيها الإخوة- هو زادٌ في طريق الدعوة إلى الله تبارك وتعالى، كما قال صاحب الظلال رحمه الله. الصبر على أشياء كثيرة، الصبر على شهوة النفس ورغباتها وأطماعها ومطامحها وضعفها ونقصها وعجلتها ومللها من القريب، أي: أن النفس تميل بسرعة. الصبر يكون في مجالات كثيرة من أعظمها: الصبر عن شهوة النفس، وكذلك: الصبر عن شهوات الناس ونقصهم وضعفهم وجهلهم وسوء تصورهم وانحراف طبعهم وأثرتهم وغرورهم والتوائهم واستعجالهم الثمار. إذا كنت داعية تدعو إلى الله عز وجل لا بد أن تصبر على ما تواجهه من الناس؛ لأنك ستواجه أشياء كثيرة، منها: الشهوات: رجل عنده شهوة المال، فإذا دعوته لا يستجيب، وآخر عنده شهوة محرمة فلا يستجيب لك، ويصمم على النظر إلى المرأة الأجنبية والاستمتاع والتلذذ بالمحرمات، وإنسان عنده شهوة منصب لا يستجيب لك؛ وشهوة المنصب تحمله على الغرور، وعلى التعسف، وعلى رفض الحق الذي تدعو إليه، وهم عندهم جهل، تأتي تناقش بعضهم بأشياء فتجده في غاية الجهل، فتجد مِنْ نفسك أنه لا بد أن تقطع مشواراً طويلاً حتى توصل هؤلاء الناس إلى جانب من العلم لا بد لهم منه، فإذا ما صبرت على جهلهم وأحياناً يفعلون أشياء عجيبة جداً، فإذا ما صبرت نفسك على جهل هؤلاء، فإنك ستيئس من دعوة أولئك الناس. وكذلك سوء تصورهم: الناس عندهم سوء في التصور؛ تصوراتهم في العقيدة.. تصوراتهم في القضاء والقدر.. تصوراتهم في مغفرة الله ورحمته.. تصورات سيئة في أشياء كثيرة جداً، فلا بد من الصبر على سوء تصور الناس، وبعضهم عندهم غرور، والتواءات نفسية، ومزالق، تأتي للواحد من اليمين يذهب في الشمال، تأتي من هنا فيذهب من هناك، يروغ منك كروغان الثعلب، لا بد من الصبر على التواءات الناس. وكذلك الصبر على تنفش الباطل، ووقاحة الطغيان، وانتفاش الشر، وغلبة الهوى، وعلى تصعير الغرور والخيلاء، فإن الإنسان إذا رأى انتفاشة الباطل ولم يكن عنده صبر، فإن هذا الأمر سوف يُؤدي به إلى اليأس والقنوط، وفقد الأمل تماماً في الوصول بالأمة إلى المرتبة التي يريدها الله عز وجل. والصبر على قلة الناصر، وضعف المعين، وطول الطريق، ووسواس الشيطان في ساعات القرب والضيق؛ وكل كلمة من هذه الكلمات تحتاج إلى دروس كاملة. الصبر على قلة الناصر، هذه الأشياء التي يحس بها الدعاة إلى الله عز وجل وهم يدعون الناس؛ الناس كثرة في الشر، وهؤلاء الدعاة قلة من أهل الخير، فلا بد من الصبر على قلة الناصر، وضعف المعين، وطول الطريق؛ طريق الشر قصير وسهل، وطريق الخير طويل وشاق وصعب. يعتريه وسواس الشيطان، شيء من النفس الأمارة بالسوء، وشيء من القرين ال



أشياء مناقضة للصبر:

من الأشياء المقابلة والمعاكسة للصبر: عملية الاستعجال: كثير من الناس وحتى الدعاة إلى الله يستعجلون الثمرة، يريدون من الناس أن يلتزموا بالإسلام بسرعة، ويريدون من الناس أن يتمسكوا بسرعة، ويريدون من الناس أن يتركوا المنكرات بسرعة وبدون صبر على هؤلاء الناس، وهذا لا يحصل، بل إنه حتى لو التزم هؤلاء الناس فإنهم يريدون منهم أن يترقوا في مدارج العلم ومدارج التربية بسرعة، يريد منه أن يصل في لحظة من مرحلة ترك المعصية، والبعد عن المنكرات إلى مرحلة العلم، وإلى مرحلة التصورات الصحيحة، وإلى مرحلة العمل للإسلام بسرعة كبيرة، يريد أن ينقله نقلة بعيدة في وقت قصير جداً؛ هذه العملية دون صبر لا تصلح، ولذلك ترى ثمرات هؤلاء العاملين الذين عدموا الصبر في هذه المواقف ثمراتٍ ناشفة غير ناضجة لماذا؟ لعملية الاستعجال المنافية للصبر. أحياناً.. الإنسان يتسرع فيحكم على الناس بالخطأ، وأحياناً يتسرع فلا يعذرهم، ولو أنه صبر لكان خيراً له؛ حتى طالب العلم يحتاج إلى الصبر في أشياء كثيرة، أحياناً الإنسان يتسرع فيأخذ علماً من العلوم وهناك ما هو أهم منه، فلا بد أن يصبر ويتريث، وأحياناً يقرأ الإنسان ثم يزهق ويمل فلا بد أن يصابر نفسه. كيف وصل العلماء الكبار إلى حالات عجيبة من الصبر على طلب العلم؟ كيف كان بعضهم له خمسة دروس في اليوم والليلة متواصلة غير وقت الطلب الخاص به الذي يبحث فيه بنفسه ويقرأ فيه، كما كان النووي رحمه الله، فقد كان معه عشرة دروس متواصلة، وكذلك الشنقيطي رحمه الله كان له أكثر من خمسة دروس متواصلة غير وقت الطلب الخاص به، وكيف صبر علماء الحديث، على طلب الحديث وقد كانوا يسافرون في طلب الحديث الواحد الشهور حتى يصلوا إلى مبتغاهم، وهذا الشيخ ناصر رحمه الله من علماء الحديث المعاصرين كان يجلس في المكتبة الظاهرية ليبحث عن حديث، فتراه ينتقل من رف إلى رف يجلس على السلم قرابة خمس ساعات متواصلة وهو يبحث في المجلدات، ويقرأ المخطوطات وهي بهذا الخط الدقيق الصعب القراءة وهو يبحث ليصل إلى نتيجة ما. تخيل: يجلس على السلم خمس ساعات متواصلة وينظر في الرفوف، ويسحب كتاباً وينزل آخر، ويفتح المخطوطة ويدقق، ويقرأ قراءة تكاد العين تعمى منها.. فكيف وصل هؤلاء إلى هذه المرتبة؟ لم يصلوا إليها إلا بالصبر.. الصبر على طلب العلم ومجاهدة النفس.

اصبر على ما كرهت تحظ بما تهوى فما جازع بمعذور

إن اصطبار الجنين في ظلم الأحشاء أفضى به إلى النور

والمسلم الداعية الذي لا يعرف الصبر داعية فاشل لا يعلم سنن الله تعالى، فإذا استحكمت الأزمات، وتعقدت في حبالها، وترادفت الضوائق، وطال الليل، فالصبر على الهدى والحق هو الذي يشع للمسلم النور العاصم من التخبط والهداية الواقية من القنوط. وكذلك أيها الإخوة: عاش السلف -رحمهم الله- في أجواء التربية، يتنقلون من مرحلة إلى مرحلة، وكان رديفهم الصبر دائماً، ولذلك وصلوا إلى هذه المرحلة العالية، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [وجدنا خير عيشنا بالصبر] أحسن العيش.. أحسن أوقات الحياة التي عشناها كانت بالصبر؛ فلا بد من هذا الدواء الذي أوله مر، ولكن في النهاية يكون حسن الطعم جداً. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا وإياكم هذا الأمر العظيم من أمور الدين، وأن يجعلنا من الصابرين المصابرين المصطبرين في ذات الله تعالى، وأن يجعل صبرنا لله وبالله ومع الله. هذا آخر ما تيسر ذكره من الكلام على مسألة الصبر، ومن شاء الزيادة فليرجع إلى كتاب: عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين، وكذلك تكلم ابن تيمية رحمه الله كلاماً جيداً على الصبر في المجلد العاشر من مجموع الفتاوى ، وكذا تكلم ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين عن منزلة الصبر، وغيرهم من علماء السلف ، فمن شاء الزيادة فليرجع إلى مثل هذه المراجع وغيرها، وأفضل ما يمكن للإنسان أن يعلم به حقيقة الصبر هو: المعايشة اليومية للمشاكل التي تواجهه.. مشاكل كثيرة جداً.. مشاكل اجتماعية.. مشاكل مع نفسه.. مع الشهوات.. مصارعات لهذه الشهوات، مع الناس، في الدعوة إلى الله، امرأة تصبر على الحجاب وزوجها يثنيها عنه، وامرأة تريد أن تطلب العلم وتريد أن تجعل من بيتها بيتاً مستقيماً وقد لا توفق بزوج صالح، فلا بد أن تصبر نفسها على هذا البلاء الذي حل بها، الإنسان الداعية في جميع مواقفه، والمجاهد الذي يجاهد في سبيل الله يحتاج إلى الصبر. فأحسن قضية يمكن أن يتعلم الإنسان فيها الصبر قضية الممارسة والمعايشة اليومية لأحداث الحياة، ولا تكاد تتأمل حادثة من حوادث الحياة التي تمر بك إلا وتحس بأن الصبر هو المفتاح لما أغلق، وهو الدواء والحل لجميع المشاكل التي تواجهها. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله أولاً وآخراً.